تخيل عالمًا صامتًا تمامًا، حيث لا تصل الأصوات مهما علت. بالنسبة للبعض، هذا ليس خيالًا. عندما يكون العصب السمعي تالفًا، تفشل السماعات التقليدية وحتى زراعة القوقعة. لكن الطب الحديث يقدم أملًا فريدًا: زراعة عصب السمع، وهي تقنية تتجاوز الأذن لتصل إلى الدماغ مباشرة.

فهم فقدان السمع العميق: حين تكون المشكلة في العصب
يحدث فقدان السمع لأسباب عديدة، ولكن إحدى أصعب الحالات هي عندما يكون الضرر في العصب السمعي نفسه. هذا العصب هو بمثابة الكابل الذي ينقل الإشارات الصوتية من الأذن الداخلية إلى الدماغ لتتم ترجمتها إلى أصوات مفهومة. إذا تعرض هذا العصب لتلف شديد أو كان غير موجود منذ الولادة، فإن مسار الصوت الطبيعي ينقطع تمامًا.
في هذه الحالة، لن تكون السماعات التقليدية أو حتى زراعة القوقعة الصناعية فعّالة. فزراعة القوقعة تتطلب وجود عصب سمعي سليم لتوصيل الإشارات إليه. أما هنا، فنحن بحاجة إلى حل يتجاوز هذا الجزء التالف بالكامل.
ما هو العصب السمعي وما وظيفته؟
العصب السمعي هو جسر الاتصال بين الأذن الداخلية والدماغ.
- ينقل الإشارات الكهربائية من القوقعة إلى مراكز السمع في الدماغ.
- أي تلف في هذا العصب يؤدي إلى فقدان السمع العصبي، وهو من أصعب أنواع فقدان السمع.
- في بعض الحالات، لا تكون زراعة القوقعة الصناعية كافية لأن المشكلة ليست في القوقعة، بل في العصب نفسه.
ما هي زراعة العصب السمعي؟
زراعة العصب السمعي أو ما يعرف بـ زرع جذع الدماغ السمعي (Auditory Brainstem Implant – ABI) هي عملية جراحية متقدمة:
- يتم خلالها زرع جهاز إلكتروني طبي قابل للزرع في جذع الدماغ مباشرة.
- الجهاز يتجاوز العصب التالف ويقوم بتحفيز جذور الأعصاب السمعية.
- الهدف هو إعادة السمع بشكل جزئي للأشخاص الذين لا يستفيدون من القوقعة الصناعية. 🎧
الفكرة وراء هذا الجهاز عبقرية في بساطتها: إذا كان الطريق الرئيسي (العصب السمعي) مغلقًا، فلنبحث عن طريق بديل. يقوم الجهاز بتجاوز الأذن الداخلية والعصب السمعي بالكامل، ويقوم بإرسال إشارات كهربائية مباشرة إلى جذع الدماغ، وهو الجزء المسؤول عن المعالجة الأولية للأصوات. بهذه الطريقة، يتم تحفيز العصب القوقعي في الدماغ مباشرة، مما يسمح للمريض بإدراك الأصوات.
الحالات التي تحتاج زراعة العصب السمعي
ليست كل حالات فقدان السمع مناسبة لزراعة القوقعة الصناعية، فهناك مرضى يحتاجون إلى حل بديل أكثر تعقيدًا مثل زراعة العصب السمعي. ومن أبرز هذه الحالات:
المرشحون الأساسيون هم:
- الأفراد المصابون بالورم الليفي العصبي من النوع الثاني (NF2)، وهي حالة وراثية تسبب أورامًا على الأعصاب، بما في ذلك العصب السمعي، مما قد يؤدي إلى تلفه أثناء إزالة الورم.
- الأشخاص الذين ولدوا بدون عصب سمعي (غياب العصب القوقعي الخلقي).
- الحالات التي تعرض فيها العصبان السمعيان لتلف كامل بسبب كسر في الجمجمة أو أمراض أخرى نادرة.
يختلف تحديد المرشحين هنا عن تحديد السن المناسب لزراعة القوقعة، والذي يركز بشكل كبير على التدخل المبكر لدى الأطفال لتعزيز تطور اللغة. في حالة زراعة عصب السمع، يعتمد القرار على التشخيص الدقيق لطبيعة تلف المسار السمعي.
الفرق الأساسي: زراعة عصب السمع مقابل زراعة القوقعة الصناعية
العنصر | زراعة القوقعة الصناعية 🎧 | زراعة العصب السمعي 🧠 |
---|---|---|
مكان الزرع | داخل الأذن الداخلية (القوقعة) | على جذع الدماغ مباشرة |
آلية العمل | تحويل الأصوات إلى إشارات كهربائية وتحفيز العصب السمعي | تجاوز العصب السمعي التالف وتحفيز مراكز السمع في الدماغ |
الحالات المناسبة | – تلف القوقعة مع وجود عصب سمعي سليم – فقدان السمع الحسي العصبي | – غياب أو تلف كامل في العصب السمعي – استئصال أورام العصب – تشوهات خلقية في العصب أو الأذن الداخلية |
الهدف | تحفيز العصب السمعي ليقوم بنقل الأصوات للدماغ | تحفيز جذور العصب السمعي أو مراكز السمع بالدماغ مباشرة |
نسبة النجاح | عالية (تتجاوز 90% في الحالات المناسبة) | أقل تعميمًا وتعتمد على كل حالة، لكنها تمنح فرصة للسماع في أصعب الحالات |
المزايا | – نتائج مثبتة وواسعة الانتشار – متاحة للأطفال والبالغين – تكلفة أقل مقارنة بزراعة العصب | – تعالج الحالات المستعصية – أمل جديد لمن لا يستفيدون من القوقعة |
القيود/السلبيات | – لا تناسب من ليس لديهم عصب سمعي وظيفي – تحتاج إلى جلسات تأهيل طويلة | – جراحة أعقد – نتائج متباينة – متاحة في مراكز طبية محدودة |
الخلاصة:
- إذا كان المريض يمتلك عصبًا سمعيًا سليمًا ➝ الحل هو زراعة القوقعة الصناعية.
- إذا كان العصب غير موجود أو تالفًا كليًا ➝ يتم اللجوء إلى زراعة العصب السمعي.
رحلة إعادة السمع: من التشخيص إلى التجربة السمعية الجديدة
الخضوع لعملية زراعة عصب السمع هي رحلة تتطلب فريقًا طبيًا متكاملًا وصبرًا من المريض وعائلته.
- التقييم الشامل: قبل كل شيء، يخضع المريض لفحوصات سمعية وتصويرية مكثفة (مثل الرنين المغناطيسي) لتأكيد أن العصب السمعي غير فعال وأن المريض مرشح مناسب.
- الإجراء الجراحي: تعتبر هذه عملية جراحية عصبية دقيقة ومعقدة. يقوم جراح الأعصاب بالتعاون مع جراح الأذن والأنف والحنجرة بزرع الجهاز ووضع الأقطاب الكهربائية بعناية فائقة على جذع الدماغ.
- التفعيل والتأهيل: بعد فترة الشفاء، تبدأ مرحلة ما بعد زراعة القوقعة، حيث يتم تفعيل الجهاز للمرة الأولى. هذه لحظة محورية، لكنها مجرد البداية. الأصوات التي يسمعها المريض في البداية تكون غريبة وغير مفهومة. وهنا يبدأ دور التأهيل السمعي المكثف، حيث يتعلم الدماغ تدريجيًا كيفية تفسير هذه الإشارات الإلكترونية الجديدة. ✅
توقعات واقعية: هل زراعة القوقعة تعيد السمع؟ وماذا عن زراعة العصب؟
هذا سؤال مهم. الإجابة هي أن هذه الأجهزة لا “تعيد” السمع الطبيعي بنسبة 100%، بل توفر إحساسًا سمعيًا يساعد بشكل كبير.
- نسبة نجاح زراعة القوقعة تتجاوز 90% في الحالات المناسبة.
- أما زراعة العصب السمعي فهي عملية أكثر تعقيدًا، لكنها تمنح فرصة جديدة للسمع حتى في الحالات الصعبة.
- الدراسات تؤكد أن النتائج تختلف حسب العمر، شدة فقدان السمع، والتأهيل ما بعد الجراحة.
السن المناسب لزراعة القوقعة أو العصب السمعي
- للأطفال: يفضل التدخل المبكر قبل سن 5 سنوات لتحقيق أفضل استفادة. 👶
- للبالغين: يعتمد على الحالة الطبية، وغالبًا يتم بعد استئصال أورام العصب السمعي.
ما بعد زراعة القوقعة أو العصب السمعي
التجربة لا تنتهي عند العملية، بل تبدأ بعدها:
- جلسات تأهيل سمعي ونطق ضرورية لفهم الأصوات.
- متابعة دورية مع الطبيب للتأكد من كفاءة الجهاز.
- التكيف النفسي والاجتماعي من خلال دعم الأسرة.
سلبيات زراعة القوقعة أو العصب السمعي
مثل أي إجراء جراحي، هناك بعض التحديات:
- الحاجة لعملية جراحية دقيقة.
- احتمال وجود مضاعفات مثل التهابات أو فشل في التثبيت.
- الجهاز لا يعيد السمع طبيعيًا 100%.
لكن هذه السلبيات تُقارن بالفوائد الكبيرة في تحسين التواصل والحياة اليومية.
الخلايا الجذعية وعلاج فقدان السمع
البحوث الحديثة تدرس استخدام الخلايا الجذعية في علاج تلف العصب السمعي.
- الهدف هو إعادة نمو العصب أو إصلاح التلف.
- لكن ما زالت هذه العلاجات في مرحلة التجارب ولم تصبح بديلًا فعليًا للجراحة حتى الآن.
تجربتي مع زراعة القوقعة أو العصب السمعي
كثير من المرضى يروون قصصًا ملهمة بعد خضوعهم للجراحة:
- أحدهم وصف إحساسه بأنه “عاد إلى عالم الأصوات من جديد”.
- آخرون أكدوا أن التواصل مع الأسرة أصبح أسهل بكثير.
- الأطفال الذين حصلوا على الزراعة مبكرًا تمكنوا من دخول المدارس بشكل طبيعي.
أسئلة شائعة
هل زراعة القوقعة مجانًا متاحة؟
في بعض الدول والبرامج الصحية، يتم توفير زراعة القوقعة مجانًا للأطفال. أما زراعة العصب السمعي فهي أكثر تعقيدًا وتحتاج إلى تقييم خاص.
ما بديل زراعة القوقعة؟
البديل الوحيد حاليًا هو زراعة العصب السمعي في الحالات التي لا تستفيد من القوقعة.
هل زراعة القوقعة تعيد السمع؟
لا تعيد السمع الطبيعي، لكنها تمنح قدرة على سماع الأصوات والكلام بدرجات مختلفة.
نسبة نجاح زراعة القوقعة؟
تصل إلى 90% في الحالات المناسبة، بينما تختلف نسب نجاح زراعة العصب السمعي حسب كل مريض.
زراعة العصب السمعي تمثل أملًا جديدًا لمرضى فقدان السمع العصبي الذين لا تناسبهم القوقعة الصناعية. إنها تقنية طبية متطورة تمنح فرصة للاستماع للأصوات من جديد. ورغم التحديات، إلا أن التطور الطبي يفتح آفاقًا واسعة لتحسين حياة هؤلاء المرضى.
📍 لطلب الاستشارة مع د. هشام طه – أستاذ طب السمع والاتزان، قسم الأذن والأنف والحنجرة – جامعة عين شمس:
27 شارع الخليفة المأمون – روكسي – مصر الجديدة
📞 01227431717